دور الإعجاز في المسيرة الدعوية للأنبياء عليهم السلام ـ 11

img

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

البحث الخامس: شبهات حول فريضة الخمس

ومن باب أن الشيء بالشيء يذكر أود أن أشير هنا لافتاً نظر البعض إلى خطورة بعض النظريات التي استحدثت مؤخراً، ومنها النظرية التي أشار إليها بعض المتأخرين من الكتاب حول فريضة الخمس ومدركها الشرعي، وكونها فريضة واجبة على كل الناس دون أن تكون مختصة بغنائم الحرب كما هو مدلول القرآن الكريم ولهذا فإن هؤلاء راحوا يتساءلون مستنكرين هذا الأمر فيقولون: من أين جئتم بنظرية الخمس؟ وما هو المدرك أو المأخذ الشرعي لها؟ وهل إنها فعلاً تتعلّق بكل ما يكتسبه الإنسان كما تدّعون، أم إنها بخصوص الحرب كما هو نص القرآن الكريم؟

والجواب على هذا  الإشكال يتطلّب التوقّف عنده في مرحلتين نعالج من خلالهما ما استغلق أمره على هؤلاء:

المرحلة الأولى: استخدام مصطلح الزكاة

الذي يتراءى للباحث أن الظاهر من كلام الروايات الشريفة ولسان بعض الأحاديث الواردة عن الأئمة^ في هذا الخصوص هو أن مصطلح الزكاة كان يستعمل بمفهومه العام، أي إخراج الحق المفترض في المال لتطهيره وتنميته. ومن هنا فإن هذا الاستخدام من الممكن أن يطلق حتى على فريضة الخمس؛ كون فريضة الخمس تتصف بهذه الصفة، وهي أنها تطهير للمال وتنمية له ([1]). وبناء على هذا فإننا نرى أنه مصطلح يطلق على فريضة الزكاة بنفسها، وعلى فريضة الخمس كذلك، وليس على الحصة المعينة أو المعنية بهذا اللفظ فقط، أعني فريضة الزكاة. وهذا الأمر قد أكدت عليه بعض الدراسات الفقهية المتأخرة التي تناولت هذا الجانب بالبحث والرد والتوضيح.

الإمام الصادق (عليه السلام) وفريضة  الخمس

وإن لم يكن الأمر كما ذكرنا، فهذا يعني أننا نتهم الإمام السادس من أئمة أهل البيت^ بأنه قد وضع هذه الفريضة، مع أننا نعرف حق المعرفة بأن مثله× لا يمكن أن يتهم بأمثال هذه الأمور فضلاً عن كونه لا مصلحة عنده في أن يبتدئ حكماً شرعياً ليس من الإسلام في شيء (معاذ الله). إن الإمام الصادق× هو وارث المدرسة الرسالية، وهو فرع الدوحة المحمدية العلوية، وهو وارث علم رسول الله|، وإذا كان كذلك فلا يمكن أن يمرق عن الدين قيد شعرة أبداً، ومن يقل بهذا فهو خارج عن المذهب، بل خارج عن الإسلام ([2]).

إذن فالإمام× لا يمكن أن يبتدع حكما شرعيا تنزه عن ذلك وتقدس، كما أنه لا مصلحة عنده في أن يحابي أحداً ضدّ أحد على حساب الحق والحقيقة والشرع وحكم الله جل شأنه. ومن هنا فإننا نقول إنه× حينما يشرع في جمع فريضة الخمس من أغنياء عصره فإنه إنما يترجم أوامر القرآن الكريم في هذا الباب، ويحولها إلى واقع عملي؛ وهذا يعني أن فريضة الخمس فريضة قائمة لا محال.

المرحلة الثانية: التوسّع في مفهوم الزكاة

فالشرع المقدّس قد استعمل الزكاة كما ذكرنا بالمعنى الأشمل، أي أنها كانت تطلق آنذاك ويراد بها فريضتي الزكاة والخمس كما عليه الدراسات الحديثة التي تكفلت بهذا الأمر بياناً وتوضيحاً. إذن فالشرع الأقدس حينما يقول: فريضة الزكاة، فإنه يعني بها كل تعلق مالي في الثروات التي يملكها أبناء المجتمع، والتي تشترك في صفات معينة تترتب على إخراج هذه الفرائض المالية وهي أمران:

الأول: التطهير للأموال.

الثاني: النماء والبركة التي يطرحها الله تبارك وتعالى في هذه الأموال نتيجة إخراج الحقوق منها. ومعلوم أن هذا التطهير وهذه التزكية وهذا الإنماء للأموال لا يختص بالزكاة فقط، بل إنه يشمل حتى الخمس؛ لأنه امتثال لأمر الله تبارك وتعالى؛ وبالتالي فإنه جل شأنه سوف يطرح هذه البركة في هذه الأموال وسوف يطهرها دون فرق بين ما إذا ما كانت أموالاً خمسية، أو أموالاً زكوية.

يتبع…

______________________

([1]) ولهذا فإننا نجد أن هذا التشريع يمتدّ ليشمل المال الحلال المختلط بالحرام غير معلوم المقدار، فبإخراج خمس هذا المال يكون صاحبه قد طهّره؛ وبالتالي فإنه يجوز له التصرّف به، بخلاف ما لو لم يخمّسه، فإنه لا يحقّ له التصرّف به حينئذٍ؛ لأنه مال حلال مختلط بالمال الحرام ولا يعرف مقداره، والمال الحرام يحرم التصرف به على صعيد التصرّفات المالية كافّة؛ بيعاً، وشراء، ومضاربة، وما إلى ذلك.

([2]) بناء على أخذ الإيمان بالأئمة الاثني عشر^ على نحو العموم المجموعي كما نص عليه علماء الأصول. انظر أصول الفقه (المظفّر) 1: 191.

الكاتب الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

مواضيع متعلقة