ما ورثه الإمام الحسين من نوح

img

حسين آل إسماعيل

ورد في زيارة وارث: «السلام عليك يا وارث نوح نبي الله».

١) ما المقصود بالوراثة في هذا المقطع؟

٢) ماذا ورث الإمام الحسين من نوح؟

أمَّا ما يعود إلى بيان النقطة الأولى فإنَّ الوراثة في هذا المقطع لها أربعة مضامين وهي ما يلي:

١) الوراثة المادية: وهي انتقال أشياء محسوسة من الأنبياء إلى الحسين× روي عن سعيد السلمان عن الإمام الصادق× أنه قال: «إن عندي ألواح موسى وعصا موسى وقميص يوسف وخاتم سليمان وإن عندي الطشت الذي يقرب به موسى القربان وإن عندي التابوت الذي جاءت به الملائكة تحمله».

٢) الوراثة الروحية: والمقصود بها روح القدس الذي يؤيد ويسدد الأنبياء والرسل كما قال تعالى: ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾.

وروح القدس إذا اتصل بكل نبي برزت له صفة فلكل نبي من الأنبياء صفة يتميز بها على غيره والإمام الحسين وغيره من الأئمة ورثوا من كل نبي صفته التي تميز بها آدم تميز بأن الملائكة سجدت له ونوح تميز بأنه وسيلة لنجاة المؤمنين وإبراهيم تميز بأنه خليل الله وموسى تميز بأنه كليم الله يقول أحد الشعراء:

ورد الحسين من المدينة وارداً *** لا ماء مدين بل نجيع دمائي

وله تجلى الله جل جلاله *** في طور وادي الطف لا سيناء

وهناك خرَّ وكل عضو قد غدا *** منه الكليم مكلم الأحشاء

وصفة عيسى أنه تكلم في المهد صبيا والحسين كذلك إذن فصفات الأنبياء تجتمع في الإمام المعصوم كما روي عن رسول الله| أنه قال: «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى شيث في حكمته وإلى إدريس في مهابته وإلى نوح في شكره لربه وإلى إبراهيم في خلته وإلى موسى في بغضه لكل عدو لله ومنابذته وإلى عيسى في محبته لكل مؤمن ومعاشرته فلينظر إلى علي بن أبي طالب».

٣) الوراثة القيادية: ويقصد بها الولاية التي ثبتت للأنبياء وهي على قسمين:

أ) ولاية التشريع: بمعنى أن النبي| بمقتضى علمه بأسرار التشريع فإنه إذا شرع أمضى الله تشريعه ففي الرواية الصحيحة: «إن الله حرم الخمر بعينه وحرم رسول الله المسكر من كل شراب فأجاز الله له ذلك».

وفي الرواية الصحيحة: «إن الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين عشر ركعات فأضاف رسول الله إلى الركعتين ركعتين فصارت عديلة الفريصة لا يجوز تركهن إلا في سفر وأفرد للمغرب ركعة وأقامها ولا تسقط في سفر ولا حضر فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة فأجاز الله له ذلك».

وفي رواية موسى بن أشيم ومحمد بن الحسن الميثمي عن الصادق× أنه قال: «إن الله فوض إلى نبيه أمر دينه فقال: ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ وما فوض إلى نبيه فقد فوض إلينا».

ب) ولاية التشريع: فالنبي سليمان له ولاية على الوجود قال الله تعالى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾.

وسخر لداود الجبال فقال: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾.

وأعطيت الولاية لعيسى بن مريم فقال جل وعلا: ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ﴾.

هذه الولاية على الوجود على الكون ثبتت للنبي وأهل بيته ولذلك نقرأ في الزيارة الجامعة: «بكم فتح الله وبكم يختم وبكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه وبكم ينفس الهم وبكم يكشف الكرب وعندكم ما نزلت به رسله وهبطت به ملائكته».

٤) الوراثة الجهادية: فالحسين بذل دمه ونفسه في سبيل الحق فكان الحسين خلاصة جهود الأنبياء وخلاصة تجاربهم فكان دم الحسين هو القربان الذي تقرب به كل نبي إلى الله تعالى الذي أقبلت إليه العقيلة زينب ومدت يديها ورفعته وقالت: «اللهم تقبل منا هذا القربان».

أمَّا ما يعود إلى بيان النقطة الثانية فإنَّ الحسين× ورث من نوح× عدة أمور وهي ما يلي:

١) سفينة النجاة: كما صنع نوح الفلك في تلك الصحراء الجرداء كما قال جل وعلا: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا﴾.

كذلك الحسين× هو سفينة نجاة كما روي عن رسول الله|: «مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى».

٢) التحدي بإجماع الأمر: تحدى نوح قومه كما قال الله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ﴾.

وهو التحدي نفسه الذي واجه به الحسين تهديد الأعداء في اليوم العاشر فقال لجيش عمر بن سعد: «وأيم الله لا تلبثون بعدها إلا كما يركب الفرس حتى تدور بكم دوران الرحى وتقلق بكم قلق المحور عهد عهده إلي أبي عن جدي رسول الله فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون».

٤) تهديد ثم فتح كبير: فإن قوم نوح هددوه كما حكى لنا القرآن ذلك فقال: ﴿قَالُوا لَئِنْ‌ لَمْ‌ تَنْتَهِ‌ يَا نُوحُ‌ لَتَکُونَنَ‌ مِنَ‌ الْمَرْجُومِينَ﴾.

وكذلك الحسين جاء الأمر: «اقتلوا حسينا ولو كان متعلقا بأستار الكعبة فإنه لا حرمة له في الإسلام».

فقال الحسين×: «من لحق بي منكم استشهد معي ومن تخلف لم يبلغ الفتح».

وهو الفتح الذي دعا له نوح× فقال: ﴿فَافْتَحْ‌ بَيْنِي‌ وَ بَيْنَهُمْ‌ فَتْحاً وَ نَجِّنِي‌ وَ مَنْ‌ مَعِيَ‌ مِنَ‌ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة