الاختيار الإلهي ـ 10

img

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

المحور الثاني: روايات الدفن فيها

 يروي المحدّثون روايات كثيرة تمنح هذه البقعة المشرفة فضيلة وأفضلية على غيرها في الدفن فيها؛ فهذه الروايات المتعددة تمنح هذا البلد الحرام أفضلية الدفن فيه ومنها:

أولاً: عن علي بن سليمان قال: كتبت إلى الإمام× أسأله عن الميت يموت بعرفات: يدفن بعرفات، أو ينقل إلى الحرم، فأيهما أفضل؟ فكتب×: «يحمل إلى الحرم ويدفن؛ فهو أفضل»([1]).

ثانياً: ومنها ما عن هارون بن خارجة قال: سمعت أبا عبد الله× يقول: «من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر يوم القيامة». قلت: من برّ الناس وفاجرهم؟ قال×: «نعم من بر الناس وفاجرهم»([2]).

ثالثاً: ومنها قوله×: «من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر من برّ الناس وفاجرهم»([3]).

رابعاً: وقال الإمام الصادق×: «قال رسول الله|: من مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعرض ولم يحاسب»([4]).

المحور الثالث: روايات دحو الأرض من تحتها

ولذا فإن علماء المسلمين يذهبون إلى أن الأرض قد دحيت من تحتها، ويروون بهذا روايات عدة منها:

الاُولى: ما عن الإمام الحسين بن علي÷ قال: «كان علي بن أبي طالب× بالكوفة في الجامع إذ قام إليه رجل من أهل الشام، فقال: يا أمير المؤمنين، انى أسألك عن أشياء… قال: فلم سميت مكة أم القرى؟ قال: لأن الأرض دحيت من تحتها»([5]).

الثانية: قال الإمام الصادق×: «إن الله خلق البيت قبل الأرض، ثم خلق الأرض من بعده، فدحاها من تحته»([6]).

الثالثة: وعن الإمام الباقر× أنه قال: «لما أراد الله تعالى أن يخلق الأرض، أمر الرياح فضربن متن الماء… ثم دحا الأرض من تحته، وهو قول الله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾([7])، فأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة، ثم مدت الأرض منها»([8]).

الرابعة: قال الإمام الرضا×: «علة وضع البيت وسط الأرض أنه الموضع الذي من تحته دحيت الأرض»([9]).

بين مكة والمدينة

وفي مقابل هذا الرأي نجد في تراث المسلمين رأيا آخر يذهب أصحابه إلى أن المدينة المنورة أشرف من مكة المكرمة؛ لأن المدينة المنورة ضمت بين جنبيها الأشرف والأفضل وهو النبي الأكرم محمد بن عبد الله| فهو أفضل الكل وأشرفهم، ومن يلامس الأشرف فهو الأشرف. نعم، إن التراب الذي لامس جسد أشرف الموجودات وعلتها الغائية هو حتماً سوف يكون أشرف الأمكنة وأشرف البقاع؛ إذ إنه يستمد ذلك الشرف وتلك القدسية من ملامسته لهذا الجسد الشريف الطاهر([10]).

يتبع…

______________________

([1]) الكافي 4: 543، باب النوادر، ح14. وسائل الشيعة 13: 287، أبواب مقدمات الطواف وما يتبعها، ب44، ح17763.

([2]) المحاسن 1: 72 / 147. الكافي 4: 258، باب فضل الحج والعمرة وثوابهما، ح26.

([3]) من لا يحضره الفقيه 2: 229، باب فضائل الحج، ح2272.

([4]) الكافي 4: 548، باب زيارة النبي|، ح5. وسائل الشيعة 14: 333 ، أبواب  المزار وما يناسبه، ب3، ح19337.

([5]) الكافي 4: 189، باب أن أول ما خلق الله من الأرضين موضع البيت و…، ح5. علل الشرائع 2: 593 / 44. عيون أخبار الرضا× 1: 218،  باب ما جاء عن الرضا× من خبر الشامي و…، ح1. التبيان في تفسير القرآن 1: 22، 2: 535. مجمع البيان 2: 348، 4: 110. بحار الأنوار 10: 76، 54: 64 / 35. وسائل الشيعة 13: 240، أبواب مقدمات الطواف وما يتبعها، ب18، ح17643. جامع البيان عن تأويل آي القرآن 1: 73 ـ 74. الكشف والبيان عن تفسير القرآن 1: 127، 4: 169. تفسير السمعاني 2: 125، 5: 64. معالم التنزيل في تفسير القرآن 2: 115. مدارك التنزيل وحقائق التأويل 3: 242. الجامع لأحكام القرآن 16: 6. وفي اُخرى: «لأن الأرض دحيت من تحتها؛ فكانت اُمّاً لها». التبيان في تفسير القرآن 4: 201.

([6]) بحار الأنوار 54: 64 / 40.

([7]) آل عمران: 96.

([8]) تفسير العياشي 1: 186 / 91. تفسير القمي 2: 96. الكافي 4: 189، باب  أن أول ما خلق الله من الأرضين موضع البيت و…، ح7. من لا يحضره الفقيه 2: 241، باب ابتدأ الكعبة وفضلها وفضل الحرم، ح2296.

([9]) بحار الأنوار 54: 64 / 39.

([10]) وقد مر في الأجزاء السابقة مناقشة هذا الرأي.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة